تبادلت كل من إيران والولايات المتحدة الأمريكية رسائل بالتوازي مع بداية السنة الإيرانية الجديدة والاحتفال بعيد "النوروز" في 21 مارس الجاري، على نحو يوحي بأن الطرفين ما زالا مصرين على التمسك بالسياسة نفسها، رغم ما أنتجته بعض التطورات الأخيرة، وعلى رأسها اتساع نطاق انتشار فيروس "كورونا" من معطيات جديدة، دفعت إيران، على سبيل المثال، إلى اتخاذ خطوات جديدة من قبيل الإفراج المشروط عن بعض السجناء الأجانب، لاسيما من حملة الجنسيتين الأمريكية والبريطانية. ويبدو أن هذه الرسائل المتبادلة سوف تتواصل خلال المرحلة القادمة، خاصة في ظل تشابك وتعقد الملفات التي تحظى باهتمام كل من طهران وواشنطن.
سعت كل من إيران والولايات المتحدة الأمريكية إلى استثمار الاحتفال بعيد "النوروز" وبداية السنة الإيرانية الجديدة من أجل تأكيد عدم إجراء تغيير في سياسة كل منهما تجاه الأخرى، رغم التداعيات القوية التي فرضها تصاعد حدة التهديدات التي يفرضها انتشار فيروس "كورونا".
إذ كان لافتاً في تصريحات وبيانات المسئولين الإيرانيين أن طهران ما زالت مُصِرَّة على التمسك بمواقفها تجاه الملفات الخلافية مع واشنطن، وعدم إجراء تغيير فيها رغم الضغوط القوية التي تفرضها العقوبات الأمريكية، والتي توازت مع المعطيات الجديدة التي فرضها إسقاط الطائرة المدنية الأوكرانية بالتوازي مع الهجمات الصاروخية التي شنتها إيران ضد قاعدتين عراقيتين تتواجد بهما قوات أمريكية في 8 يناير الماضي رداً على قيام الولايات المتحدة الأمريكية بشن عملية عسكرية أسفرت عن مقتل قائد "فيلق القدس" التابع للحرس الثوري قاسم سليماني ونائب رئيس هيئة "الحشد الشعبي" العراقية أبومهدي المهندس قبل ذلك بخمسة أيام.
وقد بدا ذلك جلياً في كلمة المرشد الأعلى للجمهورية علي خامنئي، في 22 مارس الحالي، والتي انتقد فيها الولايات المتحدة الأمريكية وطالب بعدم الوثوق بها، وأكد، قبل ذلك بيوم واحد، ضرورة بذل مزيد من الجهود لمواجهة الأزمات التي تعصف بالبلاد، داعياً إلى تسمية العام الإيراني الجديد (الذي بدأ في 21 مارس الجاري) بـ"عام الطفرة الإنتاجية"، ومشيراً في الوقت نفسه إلى أن "الجهود التي بذلتها مؤسسات الدولة لا تعادل إلا عُشر ما تحتاجه البلاد".
وتوحي تلك التصريحات، التي توازت مع رفض إيران أى مساعدات إنسانية أمريكية لتعزيز قدرتها على مواجهة تفشي فيروس "كورونا" ما لم تتوازى مع رفع العقوبات أو تعليق جزأ منها على الأقل، بأن إيران لن تتراجع عن سياستها القائمة على مواصلة التصعيد في الملفات المختلفة، خاصة الملف النووي وبرنامج الصواريخ الباليستية والدور الإقليمي.
وهنا كان لافتاً حرص الحرس الثوري على تأكيد مواصلة برنامج الصواريخ الباليستية، وتحقيق طفرة فيه، حيث قال العميد رستم علي رفيعي قائد فرقة "10 سيد الشهداء"، في 18 مارس الجاري: "لقد حققنا الاقتدار في المجال الصاروخي"، مضيفاً: "إن الأمريكيين كانوا بجاهزية تامة في ليلة الهجوم على قاعدة عين الأسد"، في إشارة إلى أن الضربات الصاروخية التي وجهتها إيران في 8 يناير الماضي أنتجت تأثيرات على الأرض ووجهت رسائل مباشرة إلى واشنطن حول حدود القدرات العسكرية التي تمتلكها إيران وتستطيع من خلالها أن تصل إلى كل المصالح الأمريكية في المنطقة لاسيما في دول الجوار وعلى رأسها العراق.
ولذا حرص رفيعي على تشبيه القواعد العسكرية الأمريكية الموجودة في بعض دول المنطقة بالعاصمة الأمريكية واشنطن، حيث قال أن "القواعد العسكرية التي يقيمها الأمريكيون في الدول الأخرى تعتبر نوعاً عاصمتهم، وهى في الحقيقة نوعاً من الاحتلال السياسي لتلك الدول، وفي الحقيقة هاجمت إيران عاصمة الأمريكيين بهذه الضربة".
وبالتوازي مع ذلك، تعمد الرئيس حسن روحاني، في 18 مارس الحالي، الإشارة إلى أن رد إيران على مقتل قاسم سليماني لم ينته بعد ولن يقتصر على الضربات الصاروخية، بما يعني أن إيران ستواصل السياسة نفسها في الفترة القادمة، إذ قال في هذا السياق، أن "إيران ردت وسترد على اغتيال سليماني".
ومن دون شك، فإن ذلك لا ينفصل عن الرسائل التي تحاول إيران توجيهها عبر نفوذها في بعض دول المنطقة، على غرار الزيارة التي قام بها أمين المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني علي شمخاني إلى العراق في 7 مارس الجاري، إلى جانب خلافاتها مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية التي لم تتراجع رغم تأكيدها على السماح لمفتشي الوكالة بزيارة بعض المنشآت رغم انتشار فيروس "كورونا"، حيث لا يتوقع أن تسمح لهم بدخول بعض تلك المنشآت.
تداعيات التاجي:
من هنا، كان لافتاً أن الولايات المتحدة الأمريكية حرصت على تأكيد عدم تراجعها عن مواصلة فرض العقوبات على إيران، حتى مع انتشار فيروس "كورونا"، الذي دفع دولاً مثل الصين إلى مطالبتها برفع تلك العقوبات لتعزيز قدرة إيران على مواجهته.
وقد استندت واشنطن في ذلك إلى اعتبارات ثلاثة: أولها، أن العقوبات لا تمنع وصول المساعدات الإنسانية إلى إيران. وثانيها، أنها قدمت عروضاً لإيران بدعمها في مواجهة انتشار الفيروس إلا أنها رفضت. وثالثها، أن الأخيرة لم تتراجع عن سياستها في الإقليم، التي كانت أحد محاور الخلافات بين الطرفين.
وألقى المسئولون الأمريكيون الضوء في هذا السياق على الهجمات التي تعرضت لها قاعدة التاجي في العراق بداية من 11 مارس الجاري، والتي أسفرت عن مقتل جنديين أمريكيين وآخر بريطاني، حيث اتهموا جماعات شيعية مدعومة من إيران بالمسئولية عنها، ولاسيما "كتائب حزب الله". وقد توازى ذلك مع تأكيد إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب على أن إيران تبقى مصدراً لتهديد الأمن القومي الأمريكي.
من هنا، وعلى ضوء ذلك، يمكن القول إن تصاعد تأثيرات انتشار فيروس "كورونا" في إيران سوف يتحول إلى ملف خلافي آخر بين إيران والولايات المتحدة الأمريكية، إلى جانب الملفات الأخرى التي ربما تشهد تصعيداً جديداً خلال المرحلة القادمة.